[
U3F1ZWV6ZTQ4NzYxODA3NTc1OF9GcmVlMzA3NjMxNjQ2Njc2

سنوات العزلة والغضب

الجزء الأول

"عن الخوف و العزلة,مئة عام من العزلة,الغضب,روايات,سنوات العزلة والغضب,قصر العزلة,100 عام من العزلة,مئة عام من العزلة شخصيات,رواية مائة عام من العزلة,مائة عام من العزلة,العائلة,بين الثراء والقلب المكسور,علامات الاكتئاب,رواية يوتيوبيا,رواية,رواية صوتية,روايات,رواية قصيرة,روايات رعب,رواية نصف ميت دفن حيا كاملة,كتب صوتية,روايات وحكايات"
الجزء الأول

فى سنوات العزلة والغضب ... السعادة هى مجرد اللاشعور بالألم ... فهناك وجع يعتصر أرواحنا ولا ندرك موضعه ... يجثم على صدورنا ويخنق انفاسنا فنصارع من أجل نسمة هواء تنقذنا من هذا الأختناق من هذا الغرق .. نحاول أن نجد فى الصمت والسكون وفعل اللاشيئ بعض من الراحة لكن من يوقف أحاديث النفس الدائرة كمرجل قطار داخل العقل ؟؟ .. لا أحد .. فكل ما حولنا غاضب حتى الجماد الذى كنا نظنه بعقولنا الضيقة الأفق ساكنا لا يقدر على فعل شيئ .. تمشى فى الطريق تقاذف قدمك أحجاره فترتد إليك وتؤذيك ويزداد الوتير القلق العابس .. حتى عندما تهرب تقتحم أفكارك الهلاوس والخوف من الدقائق القادمة .. ترى ماذا ستحمل فى جعبتها من أنواع الألم والقهر والعذاب ؟؟  ولا يسعنا إلا أن ننتظر وكأننا على موعد مع شيئ من هذا القبيل نترقب فى تحير لا نعرف من أين ؟؟ أو متى ؟؟ أو كيف سيأتى ؟؟ وحين سيذهب كل هذا فأنا متيقن أنى سأبحث عنه فى معترك آلامى وذكرياتى وعذاباتى .. 

أنا اكره الغضب أكره هذه الرعشة التى تتملك جسدى وهذا الفوار فى دمى وكأنه يصارع بداخلى فى عجلة ليضخ المزيد والمزيد من الدماء .. أمقت أدرنالين الغضب الأعمى الذى يصيبينى .. وأمقت حتى أفعاله لأننى لا أسيطر عليها ... لكن كم من الأشياء التى لا نسيطر عليها فى انفسنا ؟؟ الكثيروالكثير لا أستطيع أن أعدد لكنه وحده ما يجب أن أكبح جماحه هذا الغضب والسعار المحموم الذى يجعلنا نرتكب الحماقات ويظهر حيوانيتنا المتوارية فى الصورة البشرية التى تعلو هياكلنا لتخبئ كم هائل من الشرور .. لذا آثرت العزلة هرباً من الغضب

من السماء تراه بيت وحيد يتوسط فراغ صحراوى شاسع حوله .. وكأنه قد بزغ من العدم .. بيت صغير من أدوار ثلاثة تحيط به حديقة منسقة تشعر عندما تقع عيناك عليها بيد العناية فى كل نبتة خرجت من باطن الأرض وقد حمل الهواء عبق الزهور والنباتات العطرية المتناثرة فى تناسق ... طاولة خشبية حولها عدد من كراسى خشيية تحيطها فى ترتيب .. على الطاولة نظارة طبية تعتلى كتاب مفتوح وكأنها وضعت هكذا للحفاظ على موضع الصفحة وأوراق متناثرة فى غير ترتيب وأقلام فى مقلمة وضعت جانباً .. إناء زجاجى شفاف وبجواره كوب زجاجى براق بنقوش ذهبية جميلة .. فى زاوية من الحديقة أريكة خشبية مزينة بالأرابيسك المطعم بالرسوم الفنية الدقيقة يعلو مجلسها فراش سميك من القطن المزركش بالألوان الزاهية بلون زهور البنفسج المتداخل فى تمازج باللون القاتم  .. والى جوارها أرجوحة معدنية مرتبطة من أعلاها بقضيب معدنى يسهل تأرجحها عند الجلوس عليها أو ملامسة الهواء لها .. محيط المنزل وواجهته ذات طلاء بلون رمال الصحراء من حوله مطعم بخطوط من اللون الأسود الباهت حول النوافذ وفواصل الأدوار الثلاث مما يعطيه أناقة وجمال .. تحيط الحديقة بالمنزل أحاطة السوار بالمعصم بلونها الأخضر الجميل إلا من ممر صخرى يقودك الى البوابة الرئيسية الخارجية للمنزل وقد أحاطت البوابة النباتات المتسلقة من جانبيها .

اخرج من الباب المطل على الحديقة وأجلس الى الطاولة وأمسك بالقلم وأتابع الكتابة ولا أدرى لماذا قررت فجأة أن أكتب كما قررت فجأة الهروب الى هذا الملاذ وأخترته بعيدا عن المدينة بصخبها الذى أصبح يضغط على أعصابى بشكل رهيب .. أكتب على الورق هذه العبارة .. بعض الجروح تكون غائرة فلا يشعر بها غيرنا وبعضها مجرد خدوش سطحية لكنها تترك أثرا لا تخطؤه العين ويسبب لسعة وألماً .. أرفع رأسى لأنظر للاشيئ وأشرد فى الكلمات لماذا لا أشعر بمعناها المقصود .. كم أكره عجز الكلمات عن الوصف .. بعض الكلمات تشعرك فى مفرداتها بالألم واللسعة تستدعيه الذاكرة من سجلاتها الحافلة بالتجارب اللانهائية التى نعايشها على مر الحياة بمجرد التذكر أو قراءة العبارة كمدخن دخل لتوه الى مكان ما وقرأ لافتة ممنوع التدخين فدفعه عقله للشعور بالحاجة الى التدخين من فوره فآفل خارجاً يبحث عن مكان يشعر فيه بالحرية فى التدخين .

أنا هو جلال الجبالى الستينى العمر ذو الجسد الفارع الطويل والبشرة السمراء اللامعة والشعر الكث المكسو باللون الرمادى .. وهو تمازج الشيب مع بعض الشعرات السوداء ولا تدرى هل هذا التمازج الذى يحمل التضاد الذى يظهر جمالاً كما يتغنى الشعراء.. والضد يظهر حسنه الضد .. أم أنه وهم التشبث بالحياة .. دعنا من كل هذا ولأعود لأوراقى وأتابع الكتابة .

كنت فى هذا المنصب الهام أعمل بتفانى ظناً منى أن التفانى هو الطريق للنجاح .. ولكنى أكتشفت ان التفانى هو الطريق القصير جداً للفناء .. ترتسم إبتسامة صغيرة على جانب فمى وكأنى أؤكد المعلومة لهذا الغبى الذى كان يعيش داخلى برأس حمار وجسد آلة .. مناضل أعمى كنت أعيش فى هذه الحياة .. حياتى هى بيتى وزوجتى الحبيبة وأولادى الثلاثة  جمال وماليكة ونزار وأنا اكتب هذه الكلمات فإن ثلاثتهم يعيشون بالخارج فى هجرة قد لا يعودون منها ولا أراهم مرة أخرى .. تنهمر الدموع من عينى لتبلل الأوراق أمامى وإذ بيد حانية تربت ظهرى بحنان متسائلة وهى ترمق العنوان : بردوا مصمم تكتبها ايه سر تصميمك ده ؟؟؟

كانت رجاء زوجتى الحبيبة وأنيسى الوحيد ووطنى وموطن دموعى وأبتسامى وأرقى وراحتى ... أمسك يدها وأقبلها وهى تمسح الدموع بيدها الأخرى وتتطلع للأوراق وتقرأ الجملة الأخيرة وأشعر بقطرات من دموعها تبلل شعر رأسى الساكن بين أحضانها وأنا قابع ألملم شتات دموعى وأحاول رسم أبتسامة على وجهى قبل ان أواجه دموعها الرقراقة وهى تواسينى بكلمات كنت انا الذى أرددها على مسامعها : كده أحسن ليهم ولمستقبلهم وما دام هما مرتاحين هنبقى أحنا كمان مرتاحين ؟؟

أؤكد على كلامها بإيماءة من رأسى تعنى الموافقة وأخبرها ان للشوق صدوع بالنفس تجعل المشاعر تتفلت منا بالرغم عنا : يمكن عشان وحشونى !!! 

تجلس امامى وتبدأ فى أعداد القهوة لكلينا وأنا ساهم أتذكرالأحداث وأنا ما زلت أملك روح المقاتل الذى يرفض الأذعان للفساد المستشرى فى أركان هذا البلد كعنكبوت نسج خيوطه فأصبحت متشابكة لا تعرف أول لها من آخر .. كنت حريصاً الى أقصى درجات الحرص فى كل قرار ينوط بى إتخاذه حتى اتهمنى الكثيرون بالبيروقراطية لكنى أرى بقلب الأعمى الذى يرى ما لا يراه المبصرون وعين الغافل الذى يظن بكل من حوله خيراً كانت أسرتى هى أولى أهتماماتى فكنت أهتم برعاية أبنائى وتربيتهم على المبادئ والقيم والأخلاق الكريمة التى أصبحت فى زماننا هذا حديثاً من الماضى تلوكه الألسنة ولا تراه الأعين أبداً .. كحديث عن شبح من الماضى مات وقتل وشبع موتاً وصار حديث الناس دون أن يرى أحد هذا الشبح أبداً ... لا أدرى هل أخطأت فى حقهم عندما أصررت أن أربيهم مثلما تربيت .. هل كنت سبب معاناتهم التى عايشوها فى كل خطوة يخطونها فى هذه الحياة .. جمال تخرج فى كلية الهندسة وكان متفوقاً وعين بالكلية التى سرعان ما لفظته خارجها فقرر السفر وأستكمال دراسته وهو الآن يشغل منصباً هاماً فى أحدى الشركات العالمية فى أمريكا .. وماليكة تخرجت فى كلية الطب بتفوق وسرعان ما تزوجت من طبيب زميل لها وعاشا معنا لفترة من الزمن ثم قررا السفر للعمل بالخارج بعد أن عاشا معاناة حقيقية وقد حصل كل منهم على الماجستير معا بعد كفاح مشرف .. سافروا للعمل بأحد دول الخليج ومنها سافروا الى كندا .. نزار كان غير أخويه تماماً فقد هرب من هنا مبكراً جداً حتى أنه لم يكمل دراسته الجامعية سافر الى إيطاليا ولا أدرى كيف سافر وكيف بقى ولا أعرف عنه شيئ بتاتاً والحق أنه خدعنى وسبب لى الكثير من الألم النفسى .. وبقينا هنا أنا ورجاء فى العزلة والغضب معاً فى هذا المنزل الذى انتقلت له هرباً مما كنت أعانيه وقتها كانت الوقت هو نهاية الألفية وبداية لألفية جديدة العالم كله كان منشغلاً فى معضلات والحواسيب كيف ستتخطى هذه البرمجة الثلاث أصفار وتبدأ بعد جديد .. أشعر أن التحول قد بدأ هاهنا تحديداً لا لا لم يكن هنا يا جلال كانت البداية مع الزلزال الذى ضرب مصر فى العام 92 !!! لا يا جلال انت تخلط الأحداث والأمور ام أنك لا تستطيع التذكر ؟؟؟؟ نعم كانت البداية حرب الخليج للعام 90 وحتى 91 نعم هنا كانت البداية . أظنك ستعود بالأحداث حتى لتصل الى الحرب العالمية أو ربما لبداية البشرية !! أنت واهم يا جلال لا يستطيع أحد معرفة أو تحديد الوقت لتغير الأشياء !!! يبدو أنك نسيت التاريخ وما قرأته وطالعته فى مئات الكتب غير متأكد من شيئ أنظر الى رجاء التى تنظر الى بدورها من طرف عينها تراقبنى فى أنشغال وأسألها : تفتكرى كل ده أبتدى أمتى ؟؟؟؟

تبتسم فى لطف وتخبرنى بالحقيقة : كل واحد ليه بداية ونهاية لوحده يا جلال محدش بيشاركه فيها غير اللى عايش معاه .. انت ليه شاغل نفسك بحاجة مش هتفيد .. أيه اللى هيفرق البداية كانت أمتى ؟؟؟

أرشف فنجان القهوة أمامى فى رشفات سريعة لأنه قد برد من طول أنتظاره على الطاولة أمامى وأعود لسؤالها مرة أخرى : طيب أحنا ... أتلعثم وقد شعرت بغصة فى حلقى ربما من بقايا القهوة وربما من الشجن الذى تحمله الكلمة وأعود لأعيد الجملة : أحنا كأسرة تفتكرى أمتى ابتدى ؟؟؟ أنظر لأعلى حتى لا تلتقى عينانا وأردف : ولا لما جمال سافر ؟؟؟ ولا لما مليكة سافرت ؟؟؟ ولا لما هنا أتوقف عند أسمه نزار وهى تباغتنى لكى لا أشرد أكثر : المهم أنهم بخير . وتربت على يدى وتتابع : وأحنا مع بعض .. ربنا يخليك ليا وميحرمنيش منك أبداً .

نعم لقد كانت رجاء كل حياتى بالمعنى الحرفى للكلمة فقد تزوجتها بعد حب دام لسنوات خلال دراستى بالجامعة وعندما انهيت دراستى وألتحقت بعملى كموظف فى بداية حياتى تقدمت لخطبتها وكان والدى تاجراً ميسور الحال ولى من الأخوة والأخوات ثمانية كنت أتوسطهم فى الترتيب كان أكبر أخوتى أحمد وكان يعمل مع والدى فى التجارة ثم نوال وجليلة وجمال ثم أنا وبعدى زينب وأجلال وعلى وعبد العليم .. اين هم الآن لم يتبقى غيرى وزينب وأجلال وعلى .. ذهب الباقون الى الموت الكأس الدائر وسنة الحياة التى نعايشها بمشاعر الفقد والشوق والذكريات الطيبة وكثير من الألم والحزن وكأن كل شخص يذهب ينتقص من أرواحنا ويأخذ بالسلب منها الى مدى لا ندركه مداه حتى نلحق بهم .. 

  تم زواجنا  ببيتنا بحى الجمالية هذا الحى الذى عشت فيه طفولتى وصباى وكان الأهل يحتضنون الأبناء فتجد الشاب وقد تزوج ببيت أسرته وكانت المعيشة فيها مشاركة وحب وعطاء الطعام على مائدة واحدة والحياة فى فلك يتسع ويضيق ليحتضن كل من يشغله ... وليس كوقتنا هذا الأهل يشترطون على الشاب المتقدم للزواج إيجاد شقة بعيدة عن بيت أهله حتى ولو كانوا يملكون بيتاً يتسع للجميع .. رجاء كانت جارتى ونافذتى وكل رجائى من الحياة .. كان والدها الاستاذ خليل أو خليل أفندى كما كان يناديه والدى موظفاً وفى نفس الوقت كان صديقاً لوالدى يجلس عنده بالوكالة ويراجع الحسابات له من حين لآخر لثقة والدى به بالرغم من وجود كاتب الحسابات الذى يعمل بالوكالة .. ويخرجون للمقهى معا مساءاً بعد أن ينهى والدى عمله بالوكالة ليلعبون الطاولة ويتسامرون فى أحوال البلد وتطول جلستهم كل ليلة حتى منتصف الليل ثم يعودون متأبطين ذراع بعضهم والضحكات العالية تملأ طريقهم ... أذكر كلمات أبى وأنا أفاتحه وأصرح له برغبتى فى الزواج من رجاء وهو يسألنى : انت عارف دى بنت مين ؟؟؟ وقتها أحترت فى الأجابة فأبى يعلم أنى أعرف وأجبته : بنت خليل أفندى !! أبتسم لى لأنى لم أفطن لمغزى سؤاله وأردف قائلاً : دى بنتى وخليل أفندى أخويا وصاحبى وعشرة العمر ومعنديش استعداد اخسره عشان خاطرك !! كان التقدير والأحترام والحب هو ما يربط بين الناس وقتها ... ونظر فى عينى وسألنى : هتعرف تصونها بما يرضى الله ؟؟؟ وأجبت متلهفاً فرحاً : فى عنيا يا ابويا والله . وتهلل وجهه ويبدو أنه أدرك أنى أحب رجاء وليست من أختيار أمى حيث كانت هى المختصة بهذه الأمور فهى كانت من تنتقى وتزوج من تراه مناسباً لنسبنا .. وتم لى ما أردت وها هى رجاء وقد عشنا سوياً كل هذا العمر ووجدتنى ألتفت لها وأسألها : السنادى سبعة وتلاتين مش كده ؟؟؟ تنظر لى وقد تملكتها الحيرة ثم تبتسم وتسألنى : نسيت ولا بتتأكد ؟؟؟ أضحك وأجيبها : كبرت وشكلى خرفت ؟ تضحك بدورها وتجيبنى : بعد الشر عنك .. اما انا فكنت فى حيرة حقيقية من حساب السنين المتعاقبة والمتسارعة التى أصبحت تتآكل فى سرعة عجيبة سرعة لم أعد أقوى على أحصائها وكيف لى أن أحصيها هل أحصيها بالأفراح أم بالأتراح والأحزان أحصيها بمن فقدت ولمن أشتقت وكم أشتقت أحصيها بالألم ... لا يهم ما دامت تداخلت فى عقولنا الأشياء فأصبحنا لا ندرى فى أى يوم نحن أصبح كل ما نعرفه ليس حقيقة وكل ما عشناه سنوات تحصى وتختزل فى منظومة الأعداد ليس إلا سنوات من العزلة سنوات من الغضب ,,,,,,,,,,, 

يتبع فى الجزء الثانى



تعليقات
3 تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة